عاقبة من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخميس مايو 10, 2018 8:24 pm
عاقبة من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، وبعد؛
فهذه قائمة في ذكر من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونوع الأذى ونهاية هؤلاء المستهزئين، وكيف انتقم الله جل جلاله منهم، وقد تناقلت أفعالهم المشينة، وما حل بهم كتب التاريخ والسير، من مختصر ومفصل.
وأنا إذا أنقل ذلك من كتاب تاريخ ابن الأثير، فقد أزيد عليه ما في الكتب الأخرى من زيادات أو فوائد، قال ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ:
[ذِكْرُ الْمُسْتَهْزِئِينَ وَمَنْ كَانَ أَشَدَّ الْأَذَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ.
1) فَمِنْهُمْ: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ شَدِيدًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، عَظِيمَ التَّكْذِيبِ لَهُ، دَائِمَ الْأَذَى، فَكَانَ يَطْرَحُ الْعَذِرَةَ وَالنَّتَنَ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ جَارَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَيُّ جِوَارٍ هَذَا يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ!"، فَرَآهُ يَوْمًا حَمْزَةُ؛ فَأَخَذَ الْعَذِرَةَ وَطَرَحَهَا عَلَى رَأْسِ أَبِي لَهَبٍ، فَجَعَلَ يَنْفُضُهَا عَنْ رَأْسِهِ وَيَقُولُ: (صَاحِبِي أَحْمَقُ!) وَأَقْصَرَ عَمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ، لَكِنَّهُ يَضَعُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَمَاتَ أَبُو لَهَبٍ بِمَكَّةَ عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ بِانْهِزَامِ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ بِمَرَضٍ يُعْرَفُ بِالْعَدَسَةِ.
2) وَمِنْهُمُ: الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَهُوَ ابْنُ خَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَكَانَ إِذَا رَأَى فَقُرَاءَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: (هَؤُلَاءِ مُلُوكُ الْأَرْضِ الَّذِينَ يَرِثُونَ مُلْكَ كِسْرَى؟!). وَكَانَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَا كُلِّمْتَ الْيَوْمَ مِنَ السَّمَاءِ يَا مُحَمَّدُ!) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَخَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ فَأَصَابَهُ السَّمُومُ فَاسْوَدَّ وَجْهُهُ، فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَأَغْلَقُوا الْبَابَ دُونَهُ، فَرَجَعَ مُتَحَيِّرًا حَتَّى مَاتَ عَطَشًا.
وَقِيلَ: (إِنَّ جِبْرَائِيلَ أَوْمَأَ إِلَى السَّمَاءِ فَأَصَابَتْهُ الْأَكَلَةُ، فَامْتَلَأَ قَيْحًا فَمَاتَ).
=وفي رواية: فَخَرَجَ فِي رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنْهَا، وفي رواية: فَأَشَارَ إِلَى بَطْنه فَاسْتَسْقَى بَاطِنه فَمَاتَ مِنْهُ حَبَنًا=
3) وَمِنْهُمُ: الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ السَّهْمِيُّ، كَانَ أَحَدَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ=ابن عيطل أو غيطل أو= ابْنُ الْغَيْطَلَةِ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَكَانَ يَأْخُذُ حَجَرًا يَعْبُدُهُ، فَإِذَا رَأَى أَحْسَنَ مِنْهُ تَرَكَ الْأَوَّلَ وَعَبَدَ الثَّانِيَ. وَكَانَ يَقُولُ: (قَدْ غَرَّ مُحَمَّدٌ أَصْحَابَهُ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يَحْيَوْا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَاللَّهِ مَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)، وَفِيهِ نَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية: 23)، وَأَكَلَ حُوتًا مَمْلُوحًا فَلَمْ يَزَلْ يَشْرَبُ الْمَاءَ حَتَّى مَاتَ، وَقِيلَ: أَخَذَتْهُ الذُّبَحَةُ، وَقِيلَ: امْتَلَأَ رَأْسُهُ قَيْحًا فَمَاتَ.
=وفي رواية: فَأَخَذَهُ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ خُرْؤُهُ مِنْ فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا=.
4) وَمِنْهُمُ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْزُومٍ، وَكَانَ الْوَلِيدُ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُوَ الْعِدْلُ، لِأَنَّهُ كَانَ عِدْلَ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَكْسُو الْبَيْتَ جَمِيعُهَا، وَكَانَ الْوَلِيدُ يَكْسُوهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ قُرَيْشًا وَقَالَ: (إِنَّ النَّاسَ يَأْتُونَكُمْ أَيَّامَ الْحَجِّ فَيَسْأَلُونَكُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ فَتَخْتَلِفُ أَقْوَالُكُمْ فِيهِ، فَيَقُولُ هَذَا: سَاحِرٌ، وَيَقُولُ هَذَا: كَاهِنٌ، وَيَقُولُ هَذَا: شَاعِرٌ، وَيَقُولُ هَذَا: مَجْنُونٌ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ وَاحِدًا مِمَّا يَقُولُونَ، وَلَكِنَّ أَصْلَحَ مَا قِيلَ فِيهِ سَاحِرٌ; لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ وَزَوْجَتِهِ).
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: (لَئِنْ سَبَّ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا سَبَبْنَا إِلَهَهُ)، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 108)
وَمَاتَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِالْحَجُونِ، وَكَانَ مَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ فَوَطِئَ عَلَى سَهْمٍ مِنْهَا فَخَدَشَهُ، ثُمَّ أَوْمَأَ جِبْرَائِيلُ إِلَى ذَلِكَ الْخَدْشِ بِيَدِهِ فَانْتَقَضَ وَمَاتَ مِنْهُ، فَأَوْصَى إِلَى بَنِيهِ أَنْ يَأْخُذُوا دِيَتَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، فَأَعْطَتْ خُزَاعَةُ دِيَتَهُ.
=وفي رواية: فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرْيِشُ نَبْلًا لَهُ فَأَصَابَ أَبْجَلَهُ فَقَطَعَهَا.
وفي أخرى: فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نبْلًا لَهُ فَأصَاب أنمله فَقَطَعَهَا.
وفي ثالثة: فَأَشَارَ إِلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِهِ، كَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِينَ، مِنْ مُرُورِهِ بِرَجُلٍ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، فَتَعَلَّقَ سَهْمٌ بِإِزَارِهِ فَخَدَشَهُ خَدْشًا يَسِيرًا، فَانْتَقَضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَاتَ=.
5، 6) وَمِنْهُمْ: أُمَيَّةُ وَأُبَيٌّ ابْنَا خَلَفٍ، وَكَانَا عَلَى شَرِّ مَا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَذَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْذِيبِهِ، جَاءَ أُبَيٌّ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمِ فَخِذٍ فَفَتَّهُ فِي يَدِهِ، وَقَالَ: (زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ يُحْيِي هَذَا الْعَظْمَ!!) فَنَزَلَتْ: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس: 78). وَصَنَعَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ طَعَامًا وَدَعَا إِلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (لَا أَحْضُرُهُ حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فَفَعَلَ، فَقَامَ مَعَهُ. فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ: (أَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا؟) فَقَالَ: (إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِطَعَامِنَا)، فَنَزَلَتْ: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} (الفرقان: 27).
وَقُتِلَ أُمَيَّةُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا، قَتَلَهُ خُبَيْبٌ وَبِلَالٌ.
وَقِيلَ: قَتَلَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ. وَأَمَّا أَخُوهُ أُبَيٌ فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، رَمَاهُ بِحَرْبَةٍ فَقَتَلَهُ.
=وفي رواية: وقال أبيّ بن خلف: (والله لأقتلن محمدا). فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: "بل أنا أقتله إن شاء الله".
فلما بلغ أبيّا ذلك أفزعه؛ لأنهم لم يسمعوا من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قولا إلا كان حقا.
فلما كان يوم بدر، وخرج أصحاب عقبة أَبي أن يخرج، فقال له أصحابه: (اخرج معنا). فقال: (قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا). فقالوا: (لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه). فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين وحل به جمله في أخدود من الأرض، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أسيرا في سبعين من قريش، وقدّم إليه أبو معيط فقال: (أتقتلني بين هؤلاء؟) قال: "نعم!". فقام إليه علي بن أبي طالب فضرب عنقه.
ولم يقتل من الأسارى يومئذ غيره.
فلما كان يوم أحد خرج أبيٌّ مع المشركين؛ فجعل يلتمس غفلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليحمل عليه، فيحول رجل بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبينه، فلما رأى ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال لأصحابه: "خلوا عنه".
فأخذ الحربة ورماه بها، فوقعت في ترقوته، فلم يخرج منه دم كثير، واحتقن الدم في جوفه، فجعل يخور كما يخور الثّور، فاحتمله أصحابه وهو يخور، فقالوا: (ما هذا الذي بك! فو الله ما بك إلا خدش). فقال: (والله لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني! أليس قد قال: أنا أقتله. والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم). فما لبث إلا يوما حتى مات=.
7) وَمِنْهُمْ: أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ أَبَا جَهْلٍ عَلَى أَذَاهُ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَمِنْهُمُ: الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَالِدُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَكَانَ مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَهُوَ الْقَائِلُ لَمَّا مَاتَ الْقَاسِمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مُحَمَّدًا أَبْتَرُ لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ)، فَأَنْزَلَ: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (الكوثر: 3). فَرَكِبَ حِمَارًا لَهُ فَلَمَّا كَانَ بِشِعْبٍ مِنْ شِعَابِ مَكَّةَ رَبَضَ بِهِ حِمَارُهُ، فَلُدِغَ فِي رِجْلِهِ فَانْتَفَخَتْ حَتَّى صَارَتْ كَعُنُقِ الْبَعِيرِ، فَمَاتَ مِنْهَا بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَ شَهْرٍ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً.
=وفي رواية: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَوْمًا إِذْ دَخَلَ فِي رَأْسِهِ شِبْرِقَةٌ حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنْهَا فَمَاتَ مِنْهَا.
وفي أخرى: فَأَشَارَ إِلَى أَخْمَصِ رِجْلِهِ فَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطَّائِفَ فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شِبْرِقَةٍ فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ=.
9) وَمِنْهُمُ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، يُكَنَّى أَبَا قَائِدٍ، وَكَانَ أَشَدَّ قُرَيْشٍ فِي تَكْذِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَذَى لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ. وَكَانَ يَنْظُرُ فِي كُتُبِ الْفُرْسِ، وَيُخَالِطُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَسَمِعَ بِذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُرْبِ مَبْعَثِهِ، فَقَالَ: (إِنْ جَاءَنَا نَذِيرٌ لَنَكُونَنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ)، فَنَزَلَتْ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (فاطر: 42)، الْآيَةَ. وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ مُحَمَّدٌ بِأَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ)، فَنَزَلَ فِيهِ عِدَّةُ آيَاتٍ. أَسَرَهُ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا بِالْأُثَيْلِ.
10) وَمِنْهُمْ: أَبُو جَهْلِ ابْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرَهُمْ أَذًى لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، وَاسْمُهُ عَمْرٌو، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَكَمِ، وَأَمَّا أَبُو جَهْلٍ فَالْمُسْلِمُونَ كَنَّوْهُ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ سُمَيَّةَ أُمَّ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأَفْعَالُهُ مَشْهُورَةٌ، وَقُتِلَ بِبَدْرٍ، قَتَلَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ.
11، 12) وَمِنْهُمْ: نُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّانِ، وَكَانَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُمَا مِنْ أَذَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالطَّعْنِ عَلَيْهِ، وَكَانَا يَلْقَيَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: (أَمَا وَجَدَ اللَّهُ مَنْ يَبْعَثُهُ غَيْرَكَ؟ إِنَّ هَاهُنَا مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ وَأَيْسَرُ). فَقُتِلَ مُنَبِّهٌ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِب بِبَدْرٍ، وَقُتِلَ أَيْضًا الْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ، قَتَلَهُ أَيْضًا عَلِيٌّ بِبَدْرٍ، وَهُوَ صَاحِبُ ذِي الْفِقَارِ، وَقِيلَ: مُنَبِّهُ بْنُ الْحَجَّاجِ صَاحِبُهُ، وَقِيلَ: نُبَيْهٌ. (نُبَيْهٌ بِضَمِّ النُّونِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ).
13) وَمِنْهُمْ: زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَخُو أُمِّ سَلَمَةَ لِأَبِيهَا، وَأُمُّهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ مِمَّنْ يُظْهِرُ تَكْذِيبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرُدُّ مَا جَاءَ بِهِ وَيَطْعَنُ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى نَقْضِ الصَّحِيفَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَوْتِهِ؛ فَقِيلَ: سَارَ إِلَى بَدْرٍ فَمَرِضَ فَمَاتَ، وَقِيلَ: أُسِرَ بِبَدْرٍ فَأَطْلَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا عَادَ مَاتَ بِمَكَّةَ، وَقِيلَ: حَضَرَ وَقْعَةَ أُحُدٍ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَمَاتَ مِنْهُ، وَقِيلَ: سَارَ إِلَى الْيَمَنِ بَعْدَ الْفَتْحِ فَمَاتَ هُنَاكَ كَافِرًا.
14) وَمِنْهُمْ: عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَاسْمُ أَبِي مُعَيْطٍ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَيُكَنَّى أَبَا الْوَلِيدِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ أَذًى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَاوَةً لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ، عَمَدَ إِلَى مِكْتَلٍ فَجَعَلَ فِيهِ عَذِرَةً، وَجَعَلَهُ عَلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَصُرَ بِهِ طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَخَذَ الْمِكْتَلَ مِنْهُ، وَضَرَبَ بِهِ رَأْسَهُ، وَأَخَذَ بِأُذُنَيْهِ، فَشَكَاهُ عُقْبَةُ إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَ: (قَدْ صَارَ ابْنُكِ يَنْصُرُ مُحَمَّدًا). فَقَالَتْ: (وَمَنْ أَوْلَى بِهِ مِنَّا؟ أَمْوَالُنَا وَأَنْفُسُنَا دُونَ مُحَمَّدٍ). وَأُسِرَ عُقْبَةُ بِبَدْرٍ فَقُتِلَ صَبْرًا، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَلَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ قَالَ: (يَا مُحَمَّدُ! مَنْ لِلصِّبْيَةِ؟) قَالَ: "النَّارُ". قُتِلَ بِالصَّفْرَاءِ، وَقِيلَ بِعَرَقِ الظَّبْيَةِ، وَصُلِبَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَصْلُوبٍ فِي الْإِسْلَامِ.
15) وَمِنْهُمُ: الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَكَانَ مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَيُكَنَّى أَبَا زَمْعَةَ، وَكَانَ وَأَصْحَابُهُ يَتَغَامَزُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَيَقُولُونَ: (قَدْ جَاءَكُمْ مُلُوكُ الْأَرْضِ، وَمَنْ يَغْلِبُ عَلَى كُنُوزِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ)، وَيُصَفِّرُونَ بِهِ وَيُصَفِّقُونَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْمَى وَيَثْكَلَ وَلَدَهُ، فَجَلَسَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَجَعَلَ جِبْرَائِيلُ يَضْرِبُ وَجْهَهُ وَعَيْنَيْهِ بِوَرَقَةٍ مِنْ وَرَقِهَا وَبِشَوْكِهَا حَتَّى عَمِيَ، وَقِيلَ: أَوْمَأَ إِلَى عَيْنَيْهِ فَعَمِيَ، فَشَغَلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُتِلَ ابْنُهُ مَعَهُ بِبَدْرٍ كَافِرًا، قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ، وَقُتِلَ ابْنُ ابْنِهِ عُتَيْبٌ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ، اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ، وَقُتِلَ ابْنُ ابْنِهِ الْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَتَلَهُ عَلِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ الْقَائِلُ:
أَتَبْكِي أَنْ يَضِلَّ لَهَا بَعِيرٌ ... وَيَمْنَعُهَا مِنَ النَّوْمِ السُّهُودُ
=[فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ ... عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتِ الْجُدُودُ
عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ ... وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ
وَبَكِّي إِنْ بَكَيْتِ عَلَى عَقِيلٍ ... وَبَكِّي حَارِثًا أَسَد الأُسُودِ
وَبَكِّيهِمْ وَلا تَسْمِي جَمِيعًا ... فَمَا لأَبِي حُكَيْمَةَ مِنْ نَدِيدٍ
أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ ... وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا]
عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ ... وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ
وَبَكِّي إِنْ بَكَيْتِ عَلَى عَقِيلٍ ... وَبَكِّي حَارِثًا أَسَد الأُسُودِ
وَبَكِّيهِمْ وَلا تَسْمِي جَمِيعًا ... فَمَا لأَبِي حُكَيْمَةَ مِنْ نَدِيدٍ
أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ ... وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا]
تاريخ الطبري وهو تاريخ الرسل والملوك (2/ 464)=
وَمَاتَ وَالنَّاسُ يَتَجَهَّزُونَ إِلَى أُحُدٍ، وَهُوَ يُحَرِّضُ الْكُفَّارَ وَهُوَ مَرِيضٌ.
=وفي رواية: فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَمِيَ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: نَزَلَ تَحْتَ سَمُرَةٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: (يَا بَنِيَّ أَلَا تَدْفَعُونَ عَنِّي؟ قَدْ قُتِلْتُ)، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: (مَا نَرَى شَيْئًا)، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَيْنَاهُ=.
16) وَمِنْهُمْ: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، يُكَنَّى أَبَا الرَّيَّانِ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَشْتُمُهُ وَيَسْمَعُهُ وَيُكَذِّبُهُ، وَأُسِرَ بِبَدْرٍ، وَقُتِلَ كَافِرًا صَبْرًا، قَتَلَهُ حَمْزَةُ.
17) وَمِنْهُمْ: مَالِكُ بْنُ الطَّلَاطِلَةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غُبْشَانَ مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَكَانَ سَفِيهًا، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ جِبْرَائِيلُ إِلَى رَأْسِهِ فَامْتَلَأَ قَيْحًا فَمَات.
18) وَمِنْهُمْ: رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ، لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا ابْنَ أَخِي! بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ وَلَسْتَ بِكَذَّابٍ، فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلِمْتُ أَنَّكَ صَادِقٌ)، وَلَمْ يَكُنْ يَصْرَعُهُ أَحَدٌ، فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: (لَا أُسْلِمُ حَتَّى تَدْعُوَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ). فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقْبِلِي"، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ. فَقَالَ رُكَانَةُ: (مَا رَأَيْتُ سِحْرًا أَعْظَمَ مِنْ هَذَا، مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ)، فَأَمَرَهَا فَعَادَتْ، فَقَالَ: (هَذَا سِحْرٌ عَظِيمٌ).
هَؤُلَاءِ أَشَدُّ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَدَاهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ كَانُوا أَقَلَّ عَدَاوَةً مِنْ هَؤُلَاءِ، كَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَيْهِ فَأَسْلَمُوا، تَرَكْنَا ذِكْرَهُمْ لِذَلِكَ، مِنْهُمْ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو أُمِّ سَلَمَةَ لِأَبِيهَا، وَكَانَتْ أَمُّهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَالِدُ مَرْوَانَ، وَغَيْرُهُمْ، أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ]. بتصرف من الكامل في التاريخ لابن الأثير (1/673- 667).
كتبه:
الشيخ فؤاد أبو سعيد
غزة فلسطين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى